تعريف وتاريخ العلاج بالموسيقى
العلاج بالموسيقى علاجٌ يسعى إلى استعمال خصائص الموسيقى والصوت كدعامة في استرجاع المرء قدراته الاجتماعية والعقلية والبدنية والحفاظ عليها أو تحسينها. إنّه يندرج في إطار العلاجات بالتأمل الموسيقيّ (من خلال تجارب موسيقيّة متعدّدة كالارتجال، والغناء، والاستماع،) الخ)
تعريف وتاريخ العلاج بالموسيقى
العلاج بالموسيقى علاجٌ يسعى إلى استعمال خصائص الموسيقى والصوت كدعامة في استرجاع المرء قدراته الاجتماعية والعقلية والبدنية والحفاظ عليها أو تحسينها. إنّه يندرج في إطار العلاجات بالتأمل الموسيقيّ (من خلال تجارب موسيقيّة متعدّدة كالارتجال، والغناء، والاستماع، الخ) ولكنّه يختلف عن بعض التقنيات المعروفة باسم سيكوموسيقية (psychomusicales) والتي تعتمد على الاسترخاء فقط.
يُستخدَم العلاج بالموسيقى عادةً في علاج المرضى من جميع الأعمار ومن ذوي الاضطرابات المختلفة كالتوحّد، والألزهايمر والباركنسن والاضطرابات النفسية والإعاقات الجسدية والإعاقات الحسية، كما العاهات الخلقية، وتعاطي المخدرات، واضطرابات التواصل، والإجهاد، والقلق ،ADHD، وصعوبات التعلّم
في العصور القديمة
بدأت الدراسات عن العلاج بالموسيقى في الولايات المتحدة في أوائل القرن الثامن عشر. غير أَنَّ استخدام الموسيقى لأغراض علاجيّة يعود إلى العصور القديمة. وهذا ما تبيّنه نصوص توراتية وتاريخية تعود إلى حضارات قديمة.
فالإغريق، مثلاً، عزوا جميع أنواع الفضائل إلى الموسيقى، لِما لها من تأثير مدهش على النفوس. ولقد عرفوا "المعالِجين بالموسيقى" الذين كانوا بدورهم يؤثّرون في "المزاج وفي السوائل الحيويّة في الجسم باستخدامهم آلاتٍ وإيقاعاتٍ وأصواتًا شتّى".
أما الصينيون، فقد وضعوا جدولاً من مائة نوع من العلاجات بالموسيقى وذلك خمسة قرون قبل الميلاد. وحسْبَ فرانسوا بيكار "فَجَوْهر الموسيقى بالنسبة للصينيين يكمن في الصوت... انه يعادل الرنين والاستجابة العفوية وتحرّك الهواء والنَفَس... وهو أيضا الصلة التي تثبت انسجام الإنسان بين السماء والأرض ".
في تركيا، الموسيقى والعلاج بالموسيقى معروفان منذ أكثر من 6000 سنة. فالفارابي (870-950) وضع مبادئ علمية في علاج الأمراض ولقد صنّف النغمات المتعدّدة في الموسيقى التركية وفقًا لتأثيرها على الفرد. على سبيل المثال: راست: يمنح الراحة والصفاء؛ سابا: يمنح الشجاعة.
القرن التاسع عشر والقرن العشرون
إنّ أشكال العلاج بالموسيقى التي عُرِفت في العصور القديمة نجدها نفسها في معظم الثقافات اللاحقة.
في كتابه "إنجلترا في العالم الجديد" (لندن 1846)، كتب إليوت وابرتون عن دار لرعاية المسنّين قائلاً: "باستثناء حالات نادرة، يبدو أن الموسيقى تولّد لديهم متعةً كبيرةً، فهي تهدّئهم بدلاً من أن تثيرهم. "
في يناير 1849 تضمّن تقرير المفوضين في مأوى بوبورت في كيبيك، ما يأتي: "لقد اكتشفنا انّه في حالات كثيرة، شكّلت الموسيقى والرقص عونًا كبيرًا كعامل شفاء..."
وفي وقت لاحق، أجريت بحوث واسعة النطاق في معاهد متعدّدة في فرنسا وخارجها. فمعهد كارايان في سالزبورج درس القوّة الفيزيولوجية للموسيقى، كما ARATP (جمعية البحوث وتطبيق التقنيات السيكوموسيقيّة) في باريس، ومعهد إميل جاك دالكروز الذي تأسّس في جنيف عام 1915.
إنّ تجدّد النظرة إلى تأثير الموسيقى على الإنسان أثمر أعمالاً على أيدي باحثين أنكلوسكسونيين أمثال شوين وغيتوود (1927)، هفنر (1936)، كابوكو (1952) وكاتل (1953). من جهة أخرى، اهتمّ باحثون كفرنسس وإمبرتي وجوست وبرات وسايمون ووربك بمسألة الدلالات الموسيقيّة؛ وقد حاول البعض وضع نظام نظريّ ليبرهن إحصائيًّا الدقّة والصحّة في التبدّل الحاصل في الوضع العاطفيّ لدى الأفراد عندما يستمعون إلى معزوفة موسيقيّة.
أمّا في الولايات المتحدة الأميركيّة، فاستعمال الموسيقى في برامج إعادة التأهيل والتخفيف من الشعور بالألم في المستشفيات العسكرية في نهاية الحرب العالمية الثانية دفع كليّة ولاية ميشيغان في (1944) إلى وضع برنامج دراسيّ لتدريب المعالجين بالموسيقى ينالون في نهايته دبلومًا.
في عام 1954، اهتمّ جاك جوست (مهندس صوت) بتأثير سماع الموسيقى على الفرد، فربط بين سماع تسجيل موسيقيّ وبين الرسم الدماغيّ الذي يجسّده. اعتمد جوست على ركيزة سريريّة بمساعدة مختبر الرسم الدماغي في مستشفى الأمراض العقليّة والدماغ في كليّة الطبّ في باريس. وقد أجرى أبحاثا على العواطف والموسيقى.
وبعد سنوات قليلة، اقترح جاك جوست وجاك بورت (عالِم في الموسيقى) جلسات علاج بالموسيقى، مقدّمَين فرضيّة إمكانيّة العلاج بالموسيقى إذ إنّ الانسجام الموسيقيّ يفعل فعله في الجسم البشريّ ويؤدّي إلى انسجام الجسد والروح معًا.
في الخمسينيات، ولدت أوّل جمعية أميركيّة للعلاج بالموسيقى . وفي انكلترا، تعاونت الجمعية البريطانية للعلاج بالموسيقى، التي تأسست في عام 1958، مع Guildhall School of Music في وضع برنامج الدراسات العليا فينال الطالب في نهايته إجازةً في العلاج بالموسيقى.
أمّا في فرنسا، فقد تمّ إنشاء مركز للبحث والتطبيق في أواخر الستينيات. وفي عام 1972، أبصرت النور أوّل جمعية وتلتها الثانية في عام 1980. ومنذ ذلك الحين، استقرّ تيّار العلاج بالموسيقى في فرنسا ووُضعت أسس تأهيل المعالجين بالموسيقى.
اليوم
إنّ الأبحاث الوراثية في السنوات الأخيرة ومساهمة العلوم العصبية تسمح بتعميق معرفتنا الدماغ وتولّد آمالا كبيرة في مجال الصحة. فإنها تميل اليوم إلى أن تبرهن أن لدينا "دماغًا موسيقيًا"، وأنه من غير المستبعد أن نكون مدعوين إلى استثمار هذا الدماغ قبل أن نتمكّن من النطق.
وعلاوة على ذلك، فقد أظهرت الدراسات أن مكوّنات الموسيقى المختلفة (إيقاع، جرس، ارتفاع) تُشرك مناطق مختلفة في الدماغ. وبالتالي فميزة " انتشار" الموسيقى في الدماغ تبيّن إلى أيّ مدى يمكنها المساعدة في المجالات كلّها كالمجال الذاكري واللفظي والحركي والاجتماعي والعاطفي والبدني والعقلي...
وفقاً لجمعية كيبيك للعلاج بالموسيقى AQM : "فالعلاج بالموسيقى هو أسلوب تدخّل يستعمل عناصر الموسيقى (إيقاع، لحن، انسجام، أسلوب، وما إلى ذلك) لتحسين أو المحافظة على الراحة الجسدية والنفسية لدى الفرد". أي شخص، بغض النظر عن عمره وقدراته البدنية والعقلية وخبرته الموسيقية، يمكنه الاستفادة من اتّباع العلاج بالموسيقى.
لقد اتسعت تطبيقات العلاج بالموسيقى على نطاق واسع جدًا في المستشفيات والمراكز الصحية ... وبات تنوّع الممارسات والمُقاربات يلبّي حاجة الحالات المتنوّعة الواجب معالجتها:
فالعلاج بالموسيقى الناشط يُدخل أشكالاً عديدة من التعبير الموسيقي والبدني، والعديد من الأدوات والحركات من أجل تعزيز التعبير عن الذات؛ أمّا العلاج بالموسيقى السلبي - أقدم أشكال العلاج بالموسيقى - فهو، بعكس العلاج الناشط، لا يهدف إلى ممارسة الموسيقى، بل إلى جعل المريض يستمع إليها بغية مساعدته على تحسين قدراته الحسيّة.